الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • اللواء أركان حرب سيد غنيم لـ"ليفانت": تخوّف روسيا من التفكك ومنع الناتو التمدد شرقاً كان وراء غزو أوكرانيا

اللواء أركان حرب سيد غنيم لـ
اللواء أركان حرب سيد غنيم لـ"ليفانت": تخوّف روسيا من التفكك ومنع الناتو التمدد شرقاً كان وراء غزو أوكرانيا

قال اللواء أركان حرب الدكتور سيد غنيم، رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع، والأستاذ الزائر بالناتو والأكاديمية العسكرية ببروكسل، أن ثمة تقديرات لا ينبغي إنكارها أو تجاهلها، بأن الصراع العسكري الدائر حالياً سيتجاوز زمنه العام، وهناك تقديرات أوربية تقدر أن زمن التوتر العسكري لن يقل عن عام وقد يصل إلى خمسة أعوام قادمة، لا سيما بعد توجهات السويد وفنلندا للانضمام إلى حلف الناتو فضلاً عن تداعيات ذلك نحو استنزاف الجانب الروسي عسكرياً واقتصادياً، خاصة في ظل سيناريو إطالة أمد العمليات العسكرية.

وفي حواره لـ"ليفانت"، أوضح رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع، والأستاذ الزائر بالناتو والأكاديمية العسكرية ببروكسل، أن هناك جملة من التأثيرات والتداعيات على منطقة الشرق الأوسط نتيجة الصراع الروسي الأوكراني، إذ إن منطقة الشرق الأوسط من النقاط الجغرافية الأكثر حساسية ارتباطاً بتداعيات الصراع العسكري في أوكرانيا واحتمالات امتداده لساحات أخرى عسكرياً واقتصادياً.

ويقول غنيم: "نجد مثلاً الوضع في سوريا كما جاء في سؤالك سيكون مثيراً للغاية، إذ إن موسكو تدرك جيداً أن سوريا جزءاً رئيساً من استراتيجية الأمن القومي الروسي، حيث يستطيع من خلال نفوذه على النظام في دمشق أن يطوق الناتو عبر الجنوب من خلال البحر المتوسط، مع ملاحظة أن الغرب يرى أن تورّط موسكو عسكرياً بالحرب في أوكرانيا قد يصاحبه ضعف الارتباط العسكري والميداني لروسيا في المسرح السوري نظراً لاحتياج روسيا لكافة تشكيلاتها العسكرية الآن، وهو ما يوافقني فيه أيضاً محللون غربيون. كما أن روسيا تسعى لتطويق الناتو عبر البحر المتوسط، الأمر الذي يجعلنا ندرك تماماً لماذا كانت ليبيا النقطة التالية لموسكو بعد سوريا من خلال الشركات الأمنية (ڤاجنر).

ذلك كله سيدفع الجميع نجو مراجعة إجراءاته الأمنية والحدودية المتاخمة لاحتمالات الصراع ورد الفعل العقابي لكافة الأطراف ضد بعضها. وفق غنيم.

نص الحوار:

*يبدو أن الصراع العسكري الروسي الأوكراني يمتد عبر ساحات أخرى غير الحدود الميدانية المشتعلة، الأمر الذي يبرز حالة من الارتباك على كافة المستويات.. إلى أي حدّ يمكن أن يستقر الرأي نحو كون الصراع الحالي سيمتد لأجل طويل حتى وإن كان بعيداً عن لغة النار ليشمل إنتاج خرائط نفوذ سياسية واقتصادية جديدة؟

طبعاً ثمة تقديرات لا ينبغي إنكارها أو تجاهلها، بأن الصراع العسكري الدائر حالياً سيتجاوز زمنه العام، وهناك تقديرات أوربية تقدر أن زمن التوتر العسكري لن يقلّ عن عام وقد يصل إلى خمسة أعوام قادمة، لا سيما بعد توجهات السويد وفنلندا للانضمام إلى حلف الناتو فضلاً عن تداعيات ذلك نحو استنزاف الجانب الروسي عسكرياً واقتصادياً، خاصة في ظل سيناريو إطالة أمد العمليات العسكرية.

هذا من جانب، ومن جانب آخر يبدو أن هذا الوضع المتأزّم سيدفع الدول الأوربية صوب العمل على تدبير مواردها من الطاقة بعيداً عن موسكو مع الأخذ في الاعتبار أن ألمانيا ستحتاج بعضاً من الوقت يصل في تقديرات بعض خبراء هذا المجال لعدد من السنوات تصل لنحو خمس إلى ثماني سنوات حتى تستطيع أن تستكمل كافة المهام، بما فيها محطات التسييل، الأمر الذي  دفع رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، إلى حثّ برلين على اختصار الزمن وطي السنوات بغية الوصول الى المستهدف من تجهيز البنية التحتية خلال عامين فقط، وهو أمر صعب في تقديري.

إلى ذلك؛ نستطيع القول إن الأفق المنظور يراكم في سمائه سحباً كثيرة تترقّب تدفق الرياح تجاهها حتى تتضح الأمور، لا سيما أن الغرب، والناتو تحديداً، يرى أن أمد العمليات العسكرية يضفي مزايا نسبية في صالحهم ويلحق أضراراً جسيمة وعميقة على الجانب الروسي في هذا الصراع.

*إذاً هل نستطيع القول إن سيناريو السنوات الخمس قد يلقى ترجيحاً مع التطورات الأخيرة الخاصة بالسويد وفنلندا؟

في البدء ينبغي الانتباه أن أهمية فنلندا والسويد بالنسبة للناتو ليس في حجم وقدرات جيشهما، ولكنها تكمن في موقعهما الجيوستراتيجي، خاصة فنلندا، التي تشترك حدودياً مع روسيا بما يصل إلى ألف وثلاثمائة كيلو متر فضلاً عن مميزات أخرى تتعلق بالتقدم والدخل القومي والقدرات التكنولوجية للبلدين، وكونهما أعلى دولتين من ناحية استدامة التماسك والاستقرار سياسياً واقتصادياً وأمنياً واجتماعياً.

فنلندا كدولة حدودية مع روسيا وحال انضمامها للناتو بما يعني نشر قوات الناتو، ومعظمها أمريكية وبريطانية وألمانية وفرنسية، في فنلندا على حدود روسيا تنفيذاً لبروتوكول الناتو، سيتحول الأمر لمشكلة أمنية عميقة للغاية بالنسبة لروسيا.

من جانب آخر، فنلندا والسويد بموقعهما الهام تغلقا على روسيا أي منفذ محايد تجاه الغرب، لأن دول البلطيق الثلاث أعضاء في الناتو (إستونيا ولاتڤيا وليتوانيا)، تقع بالتالي جنوب فنلندا، مما يجعل الأخيرة ودول البلطيق الثلاث وبولندا جنوباً والسويد والنرويج وألمانيا غرباً يمنحون حلف الناتو سيطرة كاملة على معظم بحر البلطيق أمام إطلالات محدودة لروسيا، وتحديداً مدينتي بيترسبرج غرب روسيا، وكاليننجراد الروسية الواقعة بين ليتوانيا وبولندا بعيداً عن روسيا.

بالإضافة إلى أن موقع فنلندا بالتعاون مع النرويج، مع ملاحظة أن الأخيرة ضمن الناتو أصلاً، يضيف إلى الحلف سيطرة على جزء من بحر الشمال المتاخم لروسيا.

لذلك يستقر تقديري نحو أن هناك مسافة معتبرة بين دوافع غزو روسيا لأوكرانيا ودوافع احتمالات تعرضها عسكرياً ضد فنلندا. وبعبارة أخرى أوضح بأن ما وراء غزو روسيا لأوكرانيا يعود لسببين رئيسين؛ الأول: تخوّف روسيا من الانهيار والتفكك بواسطة الثورات المحتملة والتي تعد أوكرانيا داعماً لها من جانب الولايات المتحدة. والثاني: منع الناتو من التمدد شرقاً.

غير أن ما حدث هو العكس من خلال أمرين؛ الأول: بعد أن كانت الولايات المتحدة تدعم التمرد داخل روسيا في الخفاء أصبحت تعلن موقفها تجاه بوتين علناً إذ يجب إسقاطه، وذلك أمام المجتمع الدولي وكأنه حق وجب تنفيذه، وهو أمر غير مقبول بكل الأشكال، إلا أنه تحول لواقع واضح الإرادة كان ينبغي إجهاضه بواسطة روسيا لتفويت فرصة تصعيده.

الثاني: زيادة تسليح وحجم قوات الناتو في الدول الأعضاء بالحلف، سواء المتاخمة لروسيا أو المطلة على البحر الأسود. وكذا إقبال دول محايدة، كفنلندا والسويد، على الانضمام للناتو. وهو أمر لن تحبذه روسيا على الإطلاق.

ومن ثم، لو تمت المقايضة بين عدم إلحاق فنلندا والسويد بالناتو مقابل رجوع روسيا عن غزو أوكرانيا، فلن توافق روسيا وستستمر في عمليتها العسكرية في أوكرانيا مهما كانت المغريات. وعلى خلفية ذلك كله يصعب النظر بارتياح إلى سيناريو يدعم الاستقرار في هذه النقاط الساخنة وما يترتب عليه من تداعيات على كافة الاتجاهات.

*ثمّة رأي يشي بأنّ القوات الروسية لم تستطع إنهاء المهام القتالية بالقدر الذي كان ينبغي عليها أن تتممه في التوقيت الملائم لقدراتها وخبراتها، الأمر الذي يضع روسيا في موقف مأزوم حالياً.. هل توافق على هذا الرأي؟ وما هي أهم تداعياته السياسية؟

ربما كنت في طليعة من قدر وكتب مراراً أن الجانب الروسي يتحرك عسكرياً ضد ما ينبغي توقعه من قوات عسكرية مخضرمة وعتيدة، حيث إن معدلات تقدم قواتها بطيء للغاية، الأمر الذي يعود لسوء استخدام القوات الروسية وتقدير القيادة العامة الروسية الخاطئ لقدرات الجيش الأوكراني بالأرض واستمرار الدعم الغربي لأوكرانيا، بيد أنه من الأهمية بمكان ترقب مسألة أخرى ذات أهمية، وهي المراحل التي أتوقعها للدعم الغربي لأوكرانيا، ويمكن تقسيمها لثلاث مراحل رئيسة:

المرحلة الأولى: تزويد أوكرانيا بأسلحة دفاعية للتصدي للهجوم الروسي.

المرحلة الثانية: تزويد أوكرانيا بأسلحة دفاعية هجومية، بعضها أسلحة ثقيلة، لشن الهجمات المضادة وإمكانية الضرب في العمق الروسي، وأزعم أنها المرحلة الحالية.

المرحلة الثالثة: في حال نجاح المرحلة الثانية حالياً يتم الانتقال إلى تزويد أوكرانيا بأسلحة هجومية للتحول للهجوم واستعادة الأراضي المستولى عليها.

*ما نستطيع تدبره إذاً أن تحركات واشنطن تهدف لاستنزاف روسيا عسكرياً وإحراجها سياسياً.. على خلفية ذلك، هل ينبغي لواشنطن تفادي أن يتأزّم الموقف السياسي بشكل عام ولموسكو تحديداً؟

لا يمكنني الإجابة على هذا السؤال بعيداً عن عدد من السيناريوهات العسكرية المحتملة، حيث إن الوضع السياسي حالياً وما سينتج عنه غاية في التعقيد والارتباك، فضلاً عن كونه يرتبط بعديد العوامل. وعلى أية حال أرى أن تلك التصورات تتموضع داخل حيز عدة سيناريوهات هي:

أولاً: انتصار روسيا، وذلك قد يحدث حال انقطاع الدعم الغربي وخضوع أوكرانيا للشروط والإرادة الروسية، دون شروط أوكرانية.

ثانياً: هزيمة الجانب الروسي، وذلك في حال استمرار الدعم الأمريكي وتحوله لأسلحة هجومية وصمود أوكرانيا، مع عدم قدرة روسيا على الاستمرار مقابل ذلك، فضلاً عن تردي الوضع الاقتصادي الروسي.

ثالثاً: استمرار الحرب حتى نهاية هذا العام أو لسنوات قادمة، وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً في تقديري وسيكون ذلك على حساب روسيا على المدى البعيد.

رابعاً: الخروج بنصر شكلي، كمقترح غربي، لحفظ ماء وجه بوتين وتحقيق موائمة سياسية، من خلال مفاوضات بينية.

خامساً: تردي الأوضاع الاقتصادية الروسية ونشاط المعارضة في الداخل الروسي، الأمر الذي يمهد لسيناريو الانقلاب الداخلي على بوتين أو اغتياله، وهو تفكير بالتمني من جانب الغرب وأوكرانيا.

*لا شك أن الصراع العسكري والسياسي وتداعياته الاقتصادية خلفت عثرات على مستوى الشرق الأوسط الذي يعاني في الأصل من توترات وارتباكات منذ العام 2011، لا سيما في ليبيا وسوريا واليمن، فضلاً عن اشتباك القوى الدولية بهذه الملفات.. ما هي أهم محددات المستقبل للشرق الأوسط؟

إن منطقة الشرق الأوسط من النقاط الجغرافية الأكثر حساسية ارتباطاً بتداعيات الصراع العسكري في أوكرانيا واحتمالات امتداده لساحات أخرى، عسكرياً واقتصادياً.

إذاً، الأمر في الشرق الأوسط سيكون ملفتاً لدرجة كبيرة، إذ نجد مثلاً الوضع في سوريا، كما جاء في سؤالك، سيكون مثيراً للغاية، إذ إن موسكو تدرك جيداً أن سوريا جزءاً رئيساً من استراتيجية الأمن القومي الروسي، حيث يستطيع من خلال نفوذه على النظام في دمشق أن يطوق الناتو عبر الجنوب من خلال  البحر المتوسط، مع ملاحظة أن الغرب يرى أن تورّط موسكو عسكرياً بالحرب في أوكرانيا قد يصاحبه ضعف الارتباط العسكري والميداني لروسيا في المسرح السوري نظراً لاحتياج روسيا لكافة تشكيلاتها العسكرية الآن، وهو ما يوافقني فيه أيضاً محللون غربيون. كما أن روسيا تسعى لتطويق الناتو عبر البحر المتوسط، الأمر الذي يجعلنا ندرك تماماً لماذا كانت ليبيا النقطة التالية لموسكو بعد سوريا من خلال الشركات الأمنية (ڤاجنر).

ذلك كله سيدفع الجميع نجو مراجعة إجراءاته الأمنية والحدودية المتاخمة لاحتمالات الصراع ورد الفعل العقابي لكافة الأطراف ضد بعضها.

ينبغي أيضاً الإشارة إلى أنّ الوضع الليبي يختصّ بتداخل القاهرة وتفاعلها مع هذا الملف الهام ضمن استراتيجية أمنها القومي وانخراطها المباشر مع كافة القوى الفاعلة في الداخل الليبي، الأمر الذي يمنح السيناريو الليبي قيمة مضافة تسعى نحو الاستقرار. مع الأخذ في الاعتبار أن القاهرة لديها موقف استراتيجي من الحكومات التي ترتكز على الإسلام السياسي، وذلك على خلفية فشل تنظيمات الإسلام السياسي في تجربة الحكم وانتهاجهم العنف سبيلاً على مدار السنوات الماضية.

*بعد فترة اقتربت من عامين، ونتيجة مباشرة لجهود قوات إنفاذ القانون، شلت العمليات الإرهابية في سيناء، بيد أن الأيام الأولى من شهر أيار/ مايو الجاري، شهدت عودة لتلك العمليات في سيناء.. ما أهم مؤشرات ودلالات هذه العملية من ناحية التوقيت والأثر؟

لا شك أن سيناء هي نقطة استراتيجية هامة جداً ضمن حيز الأمن القومي المصري فضلاً عما تحمله من رصيد معنوي وتاريخي عند كافة أبناء الشعب المصري، ولذلك ثمّن المصريون جهود قوات إنفاذ القانون من جانب القوات المسلحة المصرية وقوات وزارة الداخلية على مدار السنوات الماضية واحتفى الجميع، وعلى رأسهم رئيس البلاد، بشهداء العمليات التكفيرية، غير أن النقطة المستهدفة في العملية الإرهابية "محطة توزيع مياه" يشي بكثير من الإجابات على سؤالك من ناحية دلالة التوقيت والأثر من خلال استهداف محطة مياه وهي بطبيعتها عنصر غير قتالي، فضلاً عن سعي التكفيريين للرد على تصريحات الرئيس الأخيرة والتي قال فيها إن سيناء خالية من الإرهاب، خاصة وأن الهدف الرئيس للعناصر التكفيرية دوماً ما يتمثل في التأثير الإعلامي والمعنوي.

ليفانت – خاص

 

حوار: رامي شفيق

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!